الشيخ الشيخ ماءالعينين رجل السيف والقلم
3 يوليو، 2013، الساعة 12:27 صباحاً
(إن الوفاء للأجداد لا يعني الاحتفاظ ببقاياهم بقدر ما يعني تناقل الشعلة الدافقة التي حركتهم ).
بقلم : الدكتور محمد الشحومي الإدريسي
المرشد العام للرابطة العالمية للشرفاء الادارسة
لمحات من الدور الجهادي السياسي للشيخ ماء العينين :
يقف الشيخ ماء العينين في طليعة علماء ومجاهدي المغرب العربي الذين عمت شهرتهم الآفاق فكانوا نماذج للقدوة والجهاد العسكري والسياسي والفكري . شكلت الوضعية السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الصحراوي المناخ الملائم لظهور مدرسة الشيخ ماء العينين حيث ندرة التحضر وشيوع اقتصاد رعوي تقليدي تحتكر وسائل إنتاجه فئة الزوايا التي تمثل السلطة الثقافية والروحية في المجتمع الصحراوي إلى جانب فئة حسان التي تعتبر الذراع العسكري للمجتمع ، ويدور حديثنا على ثلاث محاور أساسية : سياسي ، فكري روحي ، وعسكري .
الدور السياسي للشيخ ماء العينين:
vاحتلت إشكالية الغزو الاستعماري الأوربي مكانا بارزا في مشاغل الشيخ ماء العينين ، وقد أهله موقعه
الاجتماعي ومكانته الروحية وطموحه السياسي وعطاؤه الفكري إلى محاولة تنظيم مجتمعه ، وشكلت الخلفية
الدينية الصوفية للشيخ ماء العينين سندا قويا لانشغاله مبكرا بالعمل السياسي بعد أن أصبح خليفة والده سنة
1861.فتح الشيخ ماء العينين عينيه على بيئة هيأت له القيام بدور سياسي في هذه الأوضاع الجهوية
المضطربة فالحروب مشتعلة خاصة بين مشظوف ولقلال 1861 وبين لقلال وتجكانت وبين أهل سيدي
محمود وكنته ، وفي منطقة الكبلة تجدد النزاع بين إجيجب وأولاد أبييري في فترة انهارت فيها إمارة
اترارزة، بعد أن أحكم الفرنسيون سيطرتهم على الإمارة واضطرار الأمير محمد الحبيب إلى توقيع التنازل
عن (والو) والأتوات التجارية سنة 1858 . وفي الجانب الاقتصادي تراجع إنتاج الصمغ وسجلت كوارث
طبيعية ما أدى إلى تركيز جهود الشيخ ماء العينين في العمل على حل الخلافات القبلية ورص الصفوف
وتوحيد الجهود. حيث وظف نفوذه الروحي والفكري وعلاقاته القوية بفعاليات المنطقة وقياداتها الاجتماعية
في تقوية عناصر الوحدة الوطنية ، ولذلك استقر في بلدة تيارت (اطار) فترة من الزمن حيث غرس النخيل
ونظم حياة السكان محاولا تأسيس مركز حضري ، واعتمد أسلوب المصاهرة لتقوية لتقوية توجهه الوحدوي
، وجمع بين وظائف القائد السياسي والقاضي والفارس والإمام .
أسس الشيخ ماء العينين سنة 1872 مركزا للإشعاع الفكري والروحي في الصحراء المغربية (اسمارة) حيث نزحت إلى هذا المركز مختلف المجموعات البشرية ، وبذل الشيخ جهودا جبارة في المجالات الاجتماعية مثل حل النزاعات بين "أولاد قيلان" و"اركيبات" بعد سنوات من الصراعات ، وبين كنته "وأولاد بسبع" وبين "أهل بارك الله "و"أهل بحبيني" على المياه والمراعي ، كما أفلح في حل الخلافات مع قبيلة تكنة ومصالحتها . وتوج نشاطه السياسي الاجتماعي بتكليف ابنه الشيخ الطالب اخيار ببناء مدينة سمارة بتكليف ودعم ومباركة من سلطان المغرب مولاي عبد العزيز (1894 ـ 1908) وموقع سمارة موقع ملائم لقبائل الجنوب المغربي يمكن مؤسسات الدولة المغربية من مراقبة الساحل الأطلسي .
دخل الشيخ ماء العينين سمارة سنة 1899 حيث باشر مهامه بتكليف ومباركة الدولة المغربية فنظم الموالد وأشرف على الرعية وراقب الأسواق وسير القوافل التجارية وغرس النخيل وزرع الحبوب ودرب المجاهدين ولم تأت سنة 1900 حتى كانت مناطق إشعاع الشيخ ماء العينين ممتدة من واد نون حتى أطراف آدرار . وقد استطاع بإخلاصه وعلاقته المميزة بسلاطين المغرب خاصة في سنة 1906 من تحويل الساقية الحمراء إلى مركز هام للتجارة والسياسية ونسج بإخلاصه وتفانيه علاقات قوية مع سلاطين المغرب وقد مدته السلطة المركزية للدولة المغربية بالأسلحة ومولت صفقة هامة لشراء أسلحة ألمانية لتسليح المجاهدين.
ثانيا : الدور الجهادي للشيخ ماء العينين :
تصدى الشيخ ماء العينين للاستعمار الفرنسي ببسالة نادرة فكانت عاصمة الصحراء مركز الجهاد العسكري والسياسي والثقافي بمباركة ودعم من سلاطين المغرب ، وكسب الأنصار وحشد الطاقات بل إنه أصبح ممثل السلطة الشرعية المغربية الوحيد والأهم في الجنوب المغربي كله ، وكان مقتل كبلاني سنة 1905 دافعا قويا للشيخ ماء العينين ، جذب له الكثير من المجاهدين المتحمسين ، وتعاظم تأثيره بعد ظهور طلائع الاستعمار في منطقة الكبله ، حيث أعلن الشيخ ماء العينين الجهاد ضد الغزاة ، ووجه الرسائل الحماسية لتحريك زعماء المنطقة التقليديين ومن نماذج تلك الرسائل التعبوية رسالته إلى الشيخ سيدي ، ورسالته إلى زعيم كنته الشيخ محمد المختار ولد الحامد سنة 1906 ، وقاد الشيخ ماء العينين وفدا من القبائل الصحراوية ضم "الأقلال" و"إدوعيش" و"تاجكانت" و"ارقيبات" و"مشظوف" و"اسماسيد" و"أولاد بالسبع" و"أولاد ادليم" و"لعروسيين" و"مسومة" و"إدوعل" و"الطرشان" و"اولاد عمن" و"أولاد أبير" و"اديبسات" و"اولاد اللب" و"اديشل" و"تاكاط" و"إجيجب" ، وكان من أبرز اعضاء هذا الوفد الكبير ، أمير آدرار سيدي ولد أحمد ولد سيد أحمد عيده (ت 1277 هـ) ، وأمير اترارزة أحمد سالم بن ابراهيم السالم (ت 1930) والأمير المجاهد محمد محمود بن بكار بن اسويد احمد (ت 1923م) ، وتوجه بهذا الوفد لمقابلة سلطان المغرب مولاي عبد العزيز لطلب الدعم اللوجيستي السياسي بعد أن بايع الشيخ ماء العينين ومن معه السلطان على الجهاد رغم اختلاف موقعهم الاجتماعي ومشاربهم السياسية ومنابعهم الصوفية . وبعد استشهاد بكار شكلت جبهة أوجفت بقيادة تلميذ الشيخ ماء العينين المجاهد سيد بن مولاي الزين ، الذي قاد عملية اغتيال الوالي الفرنسي كبلاني 1905م. وأرسل الشيخ ماء العينين ابنيه الشيخ حسن والشيخ طالب اخيار صحبة شقيق العاهل المغربي مولاي ادريس لمؤازرة المجاهدين بقيادة محمد المختار بن حامد في معاركه ضد الفرنسيين ، الذين تكبدوا خسائر فادحة اضطرت فرنسا لإرسال تعزيزات عسكرية لآدرار ، ووضعت خطة لمهاجمة مركز الشيخ ماء العينين في اسمارة ، وفي الوقت نفسه الذي استفحل فيه الموقف العسكري في الشمال حيث دخلت قوات الفرنجة : الإنجليز، الاسبان ، الفرنسيون ، وأصبحت تسيطر على معظم موانئ المغرب.
انطلقت الحملة الفرنسية على جبهتين : جبهة "تكانت" بقيادة فريرجوه وجبهة آدرار بقيادة العقيد كوروا وعضوية النقباء "إديسون وبابليون وموري ، و استطاعت دخول آدرار : 09/01/1909م ثم تواصلت المعارك في "أنيملان" :" تجكجة" ، "أكجوجت" ، "دمان" تكبدت القوات الفرنسية خلالها خسائر فادحة جعلتهم يصممون على القضاء على مركز الشيخ ماء العينين في اسمارة ، الذي آثر الجهاد والدفاع عن مركزه الجهادي حتى آخر نفس ، فاستشهد الشيخ ماء العينين 1910م ، وشكل ذلك نكسة قوية للمقاومة الجهادية ، وترك فراغا لم يسد ، الأمر الذي أدى إلى توقف المقاومة الجهادية المنظمة في عام 1934مسيحي .
الدور الفكري الروحي الثقافي للشيخ ماء العينين :
لم تقتصر جهود الشيخ ماء العينين على الجانب الجهادي والسياسي فقط بل تعدت إلى الجانب الفكري والروحي والثقافي، وشكلت ثقافته التي تنبع من ثقافة مرابطية ، منهلا أسس على قواعده مدرسة جامعة علمية وفكرية في اسمارة التي بلورت مشروعه الفكري والثقافي .
كانت المحظرة نواة هذا المشروع الفكري ، حيث تولت إعداد العلماء ، والدعاة والمجاهدين ، الذين أسسوا المشروع الجهادي، وقادوا النهج الفكري ، وأرسوا معالما لمدرسة الشيخ ، فتدفق التلاميذ والاتباع من كل حدب وصوب ، واستقروا يبنون ويغرسون ويتعلمون ، من خلال الزوايا التي أنشأت بمساعدة ودعم ورعاية من سلاطين المغرب ، الذين كانت له معهم علاقات وطيدة وقوية . ومن المحاظر التي أنشأها في بلاد شنقيط ، محظرة أطار التي كان يدرس فيها تلميذه محمد المختار ولد النش ، وساعدت هذه المراكز وخاصة اسمارة الشيخ ماء العينين في جهاده ضد الغزاة ، واعتمدت الجهاد الروحي والفكري ، للحفاظ على الشخصية المغربية المسلمة ، في مواجهة المشروع التغريبي الفرنسي ،الذي أعده مسؤول الشؤون الإسلامية في وزارة المستعمرات الفرنسية "بانت مارتى" ، في عهد الحاكم العسكري زوم ، والذي يتلخص في اعتماد مبدأين اثنين اتجاه الإسلام في افريقيا الغربية عامة والجنوب المغربي خاصة : التحكم فيه وتوجيهه حيث كان ، ومحاصرته ومنعه من الانتشار . وكان للطرق الصوفية دور كبير في هذا الجهاد ، إذ أن التصوف في المغرب قد دخل معترك الحياة وأصبح في قلب الأحداث فعلا ومشاركة وجهادا لمواجهة الظلم والعدوان، لهذا نشأت دول وأنظمة صوفية ، بل أن الأنظمة السياسية في شمال افريقيا والصحراء قد اكتسبت شرعيتها السياسية والاجتماعية من طبيعتها وصبغتها الدينية الصوفية . في هذا الإطار تندرج حركة الشيخ ماء العينين حيث كان لها قصب السبق في الجهاد المسلح وتحصين الأمة ثقافيا وفكريا عبر المحاظر والكتاتيب ، وقد ترك الشيخ ماء العينين مكتبة ضخمة احتوت أكثر من (300) مؤلف له شخصيا ، وكانت اسمارة مركزا ثقافيا وفكريا مرموقا . يقول المؤرخ المغربي " ابراهيم حركات" وهو يتحدث عن مركز السمارة (السمارة هي آخر مركز حضري تم بناؤه في العصر العلوي قبل الحماية الفرنسية ، ولها مميزات خاصة لأنها في قلب الصحراء في منطقة الساقية الحمراء ، وكانت بمبادرة من الشيخ ماء العينين.... أسست اسمارة لتكون مركزا ورباطا فكريا وروحيا تنتشر منه المعارف الدينية واللغوية وليكون رباطا للجهاد . ....كانت اسمارة جامعة علمية ومكتبة لها اشعاعاتها الرائدة في هذه الصحراء المترامية الأطراف ، وقد وقعت تحت قبضة الإحتلال الفرنسي : عام 1906مسيحي ففقدت بذلك الكثير من ذخائرها العلمية وكنوزها الدينية ) . المغرب عبر التاريخ (ص 316)
المصادر والمراجع :
ـ الشنقيطي (ابن الأمين): الوسيط في تراجم أدباء شنقيط ، مكتبة الخانجي القاهرة ، مكتبة منير موريتانيا .
ـ السوسي محمد المختار : سوسة العالمة ، مكتبة بنشيرة المغرب.
ـ السوسي محمد المختار : المعسول مكتبة النجاح المغرب 1963م
ـ النحوي (الخليل): بلاد شنقيط المنارة والرباط ، المنظمة العربية للتربية والثقافية والعلوم تونس 1987
ـ ولد حامد (المختار): الحياة الثقافية الجزء الثاني الدار العربية للكتاب تونس 1990
ـ عبد الله (عبد العزيز) معلمة الصحراء ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب 1967
ـ محمد (أحمد مخلوف) شجرة النور الزكية في الطبقات المالكية ، دار الفكر بيروت د.ت
ـ ميارة (عبد الله ) تنوير الملوين في معرفة تاريخ شخنا شيخ ماء العينين للشيخ بونن ولد الطالب اخيار ولد الشيخ ماء العينين (دراسة وتحقيق) متريز الايجازة في التاريخ كلية الآداب جامعة انواكشوط 1993 ـ 1994م .
Archives Nationales E2-119 NKT MAURITANIE
ـ ابراهيم (حركات)المغرب عبر التاريخ ـ دار الرشاد المغرب.