كلمة أمين الرابطة العالمية للشرفاء الأدارسة بليبيا في
الذكرى الثامنة والعشرين لوفاة مؤسس دولة ليبيا واستقلالها الاول
(السيد محمد ادريس السنوسي ) وفاءً وعرفاناً لما قدمه من اجل ليبيا
الحبيبة وذلك يوم الاربعاء 2011.05.25 بفندق المسيرة بطبرق
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى اله وصحبه وسلم
في ربيع سنة 1889م وتحديدا فى الثانى عشر من مارس .
ولد فى واحة الجغبوب طفل ميمون كان له شأن وأثر فى تغيير مصير ليبيا بلإبرازها الى حيز الوجود .
انه السيد إدريس أبن السيد الاعظم المهدي ابن الإمام المجدد السيد محمدبن على السنوسى ، سليل الدوحة الادريسيه قدس الله اسرارهم .
لقد أراد الله لهذا السيد أن يخوض غمار الجهاد منذ طفولته ، فقد رافقوالده فى سنة 1895م فى رحلته الشهيرة الى الكفرة ، حيث كانت السنوسية
تستكمل استعدادها لمقاومة المد الفرنسى فى جنوب الصحراء ، وبالفعل ففىاكتوبر من سنة 1899م .غادرالسيد رفقة السنوسيين الى تشاد وتحديدا الى ( قورو).
حيث كانت المناوشات قد بدأت حين بدأ الغزو الفرنسى للأراضى التشاديه ،واستشهد السيد المهدي فى عام 1902م ليعود ذلك السيد إدريس السنوسى الى
الكفرة ويبقى فيها الى سنة 1914م ،ومن ثم يتوجه الى الحج عبر الجغبوبمؤجلا استلام مقاليد الأمور التى عهد بها والده الى السيد / أحمد الشريف
كوصى رغم الحاح الكثير من الاخوان .وفى شهر مارس من سنة 1915م عاد السيد / ادريس الى الوطن بعد ان لقى من
الترحيب فى رحلته ما لقى من قبل خديوى مصر والشريف حسين والسلطان حسين كامل .ولم يكد السيد ادريس يدخل القُطر ويتفقد القوات والمعسكرات حتى بدأت
الحرب فى السلوم ، وهزم الجيش التركى وأقفلت الحدود وهجر ميناء السلومواحكم الحصار فى وقت كان الجدب قد توالى لسنوات وانتشر الوباء مما أدى
بالقبائل الى التسليم للطليان وتحولت الحرب الى غزو قبائل على بعضهاالبعض ، فانخفض عـدد سـكان بـرقه من [ 300 الف الى 180 الف ] نسمة فى
اربع سنوات [ 1911- 1915م ] .يروى المجاهد / محمد أحمد بوبكر الدرسى قائلا /كنت فى امساعد مع السيد أحمد من بداية حركة الجهاد ولما عاد السيد /
ادريس . رافقته ودخلت معه الى القُطر ، وكنا نمر على الجثث ملقاة فىالطرقات حتى وصلنا الى اجدابيا . فتوسل أهل الوطن الّى والسيد / ادريس
لإنقاذهم ، فأرسل الى السيد / احمد الشريف يستأذنه فى ذلك فقال له :-افعل ماتراه مناسبا ويرى الحاضر مالايراه الغائب .
وفى يونيو من سنة 1916م بعث السيد ادريس وفد برئاسة عمر المختار ، وحمله رسالة الى السير ( هنرى مكماهون ) المفوض السامى بمصر وسلم الوفد
الرسالة الى مأمور السلوم .والتى كانت تتضمن طلب السيد / ادريس بفتح المفاوضات لاعادة السلام مع الانجليز وحتى يتمكن من تموين شعبه الذى يوشك
على الموت جوعا . فرد مكماهون مشترطا مشاركة الايطاليين فى المفاوضات هذا لأنهم كانوا قد اتفقوا فى مايو الماضى من ذلك العام على اتخاذ موقف
موحد ضد السنوسيه وتبعتهم فرنسا فيما بعد .انخرط السيد / إدريس فى تلك المفاوضات الشاقة التى أدارها بمنتهى الحذر
واللباقة التى أذهلت مفاوضية فيما بعد فأقر(اقراسيانى ) مثلا بأنه لم يكن من السهل التعرف على قدراته القيادية والدبلوماسية .
حقق السيد / إدريس جل ما كان يصبوا إليه عبر مفاوضات الزويتينة واتفاقيات عكرمة والرجمة وابومريم .
فأنقذ البلاد والعباد وفك الأسرى والمنفيين وجمع الكلمة حين بايعه ( 170) زعيما من مختلف أرجاء برقه . فتعززت ثقة الناس به وادركوا انه هو الرائد المنتظر .
والغريب ان المتتبع لأحداث تلك المرحلة سيكتشف ان الايطاليين لم يتحصلوالاهم ولا الانجليز على اكثر مما كانوا يمتلكونه فعلا فجميع مطالبهم من
الاعتراف بسيادتهم وتسليم السلاح التى طالبوا بها أثناء المفاوضات لم يمنحها لهم السيد .
فعلق أحدهم على تلك المفاوضات قائلا ( إن إدريس لم يمنحنا سوى الكلام والنوايا الحسنه ) .لقد خلقت الإمارة التى أعلنها وعاصمتها اجدابيا ، أول حكومة ذات هويه
وطنية وتورط الطليان والانجليز فى الاعتراف بها فكانت هى الداعم للحرب السنوسيه الايطالية الثانية .
ان الاستقرار الذى تمتعت به برقه فيما بين (1916 وحتى 1922م) هو الذى دعا أبطال الجهاد فى منطقة طرابلس الى مبايعة السيد ادريس فى شهر يوليو من
سنة 1922م اميراً على ليبيا بأجمعها . يصّرح (نجلو بتشولى ) ان ذكاء السيد ادريس ورط ايطاليا بل ان الهيئات والمساعدات التى كان يطلبها هى نفسها التى دعمت ثورة السنوسيين الثانية بقيادة ( الرضا السنوسى وعمر المختار ) لذا كان حنق الطليان عليه لا يوصف وهذا ما دعاهم الى تسميمه بواسطة معاونيهم .
أنهك السيد ادريس المرض ، واستولى الفاشيست على السلطة فى ايطاليا فاتفق مع زعماء الجهاد على ان يخرج الى مصر بعد ان نظم ادوار الجهاد وسمى أخيه
الرضا وكيلا عاما عنه وعمر المختار نائب الوكيل العام ورئيس ادوار الجبل الاخضر .وبالفعل كان لوجوده فى مصر اكبر الأثر فى بقاء واستمرار الثورة فقد ظل
مصدر التوجيه والتشجيع المتواصل لأتباعه المجاهدين ولما لا؟ فهو مبعثالأمل فى التحرر الذى طالما وعدهم به .
وحانت الساعة وتورط الأحمق ( موسولينى ) مع النازى هتلر فى يونيو 1940م ،نعم انها اللحظة التى كانت ينتظرها السيد ادريس ورفاقه فبادر بالاتصال
بالبريطانيين وعرض عليهم المساعدة فى الحرب لتخليص وطنه من الايطاليين وفك الأسرى الليبيين الواقعين فى قبضة الحلفاء وكون بهم نواة الجيش
السنوسى فى 9/8 اغسطس/1940م ومع أن جل المراقبين والمحللين رأوا فى هذه الخطوة مجازفة عظيمة ، فقد راهن كما قيل ( على الجواد الخاسر ) ولكن
أتباعه ورفاقه لم يشكوا فى انه رجل اللحظة ، وسيقودهم الى النصر فى نهاية المطاف ، وبالفعل فقد انتصر الحلفاء وكان اشتراكه معهم فى تحرير البلاد
هو الحجة التي أخذ الليبيون يطالبون بها بريطانيا لتحقيق وعودها . وخاض الشعب تجربة رائدة فى سبيل الاستقلال كان روحها ورائدها ومبعث
الأمل فيها هوالسيد / ادريس السنوسي ... فوضع الدستور وتشكلت الدولة الوليدة .وحانت اللحظة واطلت طلعته البهية من شرفة قصر المنار ليعلن فى خطاب موجز
بديع لم يتحدث فيه عن نفسه ...إن ليبيا أصبحت في مصاف الأمم الحرةالمستقلة وأنها متطلعة الى غدا أفضل .
رحم الله السيد / إدريس السنوسي وكل رفاق دربه ممن حملوا على عاتقهم
تحرير البلاد واخذ مكانها بين الأمم .
على بن ادر يس الشريف الإدريسي
أمين الرابطة العالمية للشرفاء الأدارسة بليبيا